متروّجة لكن معجبة برجل آخر
4 مارس 2023
يُقرأ في 6 دقائق
© pexels.com/@liza-summer
- أشعر أنني معجبة بالزميل الجديد!\
اعترفت لي أخيرا بعينين هلعتين وبصوت مذعور، ويدها الراجفة تفرك خاتم الزواج في بنصرها بتوتر.
ابتسمت لها وهززت كتفي بلا مبالاة:
- لا داعي للقلق يا عزيزتي، كلنا معجبات بالزميل الجديد، ألا ترين كم أنه جذاب!
انتهى الحوار ببساطة.
إنهم موجودون في كل مكان:
من منا ينكر وجود هؤلاء الأشخاص المثيرين للإعجاب من حولنا، نساء جميلات المحيا بعيون براقة وأصوات رقيقة، رجال وسيمون بحضور خلاب وابتسامات جذابة، قد يكون الموظف الجديد في القسم، أو معلمة الأولاد الجديدة، أو الصهر الجديد في العائلة، أو القريبة البعيدة التي جاءت للزيارة. يظهر هؤلاء باستمرار في حياتنا ليخطفوا إعجابنا بصفاتهم الجميلة، تتسرب هذه المشاعر شيئا فشيئا إلى دواخلنا حتى لو قاومناها، ففي النهاية من يستطيع أن ينكر أن وفاء أو تسنيم أو بتول ذات حديث عذب ولها تلك الغمازة الجميلة حين تبتسم؟! ومن يستطيع أن ينكر أن أحمد أو وسام أو عبد الرحيم ذو سمرة جذابة وثقافة رفيعة وخفة دم؟!
قد يقول البعض أن تجنب الاختلاط يقينا من الانتباه لغمازة بتول أو ملاحظة جمال السترة الرسمية على كتف أحمد، ولكن حتى مع تجنب الاختلاط في الجلسات العائلية أو في العمل، وحتى عندما تَقَر النساء في بيوتهن، فإن هؤلاء الآخرين يقتحمون علينا الآن حياتنا، ويدخلون معنا غرف نومنا، وقد تكون كلماتهم أو صورهم على الشاشات المضيئة هي آخر ما نطالعه في أسرتنا في عتمة ما قبل النوم، عندما يتثاءب تفكيرنا المنطقي وتتمطى المشاعر والهواجس غير العاقلة في قلوبنا، أقرباء أو معارف أو زملاء، ممثلون ومغنون، أو حتى دعاة دينيون وأساتذة وأستاذات ،وصحفيون وصحفيات وباحثون وباحثات!
بل ربما يكون ظهور هؤلاء فقط من خلف الشاشات أشد تأثيرا من حضورهم في الواقع، لأنهم يتحكمون في مواقع التواصل بما يقدمونه لأنفسهم عن الناس، فلا نرى منهم إلا الكلام المنمق، والصور المنتقاة، والحكمة البالغة، والإنجازات المهنية، لا نرى منهم إلا القصائد التي يكتبونها لزوجاتهم، أو الموائد التي يحضِّرنَها لأزواجهن، لا نرى إلا لطافة الكلام، وذكاء الحوار، ورقة الطبع، وتبقى الكثير الكثير من الجوانب المخفية، التي تفوق ما يظهرونه، والتي تعمد مخيلاتنا لاستكمالها على أجمل هيئة، مما يكون في غالب الأحيان غير مطابق للواقع. ومشاعر الإعجاب هذه تتسرب إلينا عزابا أحيانا فيكون ذلك غير ذي إشكال، لكن ما العمل إن تسربت إلينا ونحن متزوجون؟؟!! وأشمل بذلك الرجال والنساء وإن كانت القليلات فقط من يعترفن بمرورهن بتجارب مماثلة. كيف يمكن التعامل مع هذا النوع من المشاعر حين يكون تجنبها أمرا صعبا في ظل طبيعة الحياة التي نعيشها؟ وهل يعد الإحساس بمثل هذا ضربا من ضروب الخيانة الزوجية؟
هل الإعجاب بغير الشريك خيانة؟
يكون الإعجاب بغير الزوج أو الزوجة خيانة فقط حين يكون تعريف الوفاء أن نرى شريكنا هو الأجمل والأذكى والأكثر أناقة والأكثر بلاغة والأنجح والأكمل صفاتا على الإطلاق! وبما أن الوفاء لا يُعرَّف بهذا الشكل، بل يعرَّف على أنه الإخلاص للشريك مع الاعتراف بوجود نواقص فيه، فإن الإعجاب ببعضِ صفات غيره لا يكون بحال من الأحوال خيانة ما لم يتعدى حدود المشاعر العابرة. وجوابا على السؤال: ما الذي يجب فعله جراء هذه المشاعر؟ الإقرارُ بها بكل بساطة، نعم لدى منى عيون جميلة بالفعل، ونعم غرة علي جميلة وهي تتهدل على جبينه، ونعم مروة أكثر رشاقة وأناقة من زوجتي، ومحمد يملك فصاحة في اللسان أكثر من زوجي! وماذا بعد؟؟؟ ببساطة لا شيء! يتوقف الأمر هنا ولا داعي لأن يأخذ أكبر من حجمه. وما يجعله يأخذ أكبر من حجمه غالبا هو تعاملنا مع هذه المشاعر على نحو خاطئ وفق سبيلين:
الأول: أن نبالغ في تأنيب أنفسنا، فنشعر بأن أحاسيسنا هذه آثمة، بأننا يجب أن نفعل حيالها شيئا فورا، يجب أن نعدمها، يجب أن نعاقب أنفسنا عليها! حالة التوتر والقلق هذه التي تتملكنا بسبب هذه المشاعر تجعل تأثيرها متضخما، وتُحدث في علاقتنا بشريك الحياة هزة، تفقدنا ثقتنا بأنفسنا وتورثنا الشعور بالعار والصغار، كل ذلك عوضا عن أخذ الموضوع ضمن سياقه الطبيعي، وتركه يمر ويُنسى أيضا بشكل طبيعي.
والثاني: أن تلتبس هذه المشاعر لدينا مع ما نعتقد أنه الحب! يعود ذلك لهيمنة حضور الحب في ما نشاهده يوميا، في الأغاني والمسلسلات، وللطريقة الساذجة التي يُطرح بها هناك، والتي قد توهمنا أن اللحظة التي التقت عيوننا فيها بعيون فلان هي اللحظة التي توقف فيها العالم عن الدوران، وأن اللمسة العابرة التي حدثت أثناء تناول خرازة الورق هي الصعقة الكهربائية القاصمة المكتوبة في ألواح أقدارنا! كلا، بل هي نظرة عابرة وهي لمسة بالخطأ وانتهى الأمر! وقد يزيد الطبن بِلة كونُ هذه الإعجاب يتقنع بما يسمى "الحب الممنوع" ما يجعل القصة أكثر إثارة وجمالا، خاصة لو ترافقت مع فترة فتور أو عطب عاطفي في علاقة الزواج.
لقد كثرت الأفلام والمسلسلات والأغنيات الموجهة للجيل الجديد، والتي تروج لخيانة الزوجات ومؤخرا الأزواج، خيانة يبررها من يبررها بعاطفة الحب التي تستحكم القلوب، خالطين بذلك المفاهيم بين الحب وهوى النفس، الذي لو فتحت له الأبواب، لتجدد وتكرر كل نهار، ولما أبق بيتا عامرا!
إذن إن كلا السبيلين في التعامل مع هذه المشاعر خاطئ، فلا الخوف المبالغ به منها، وجلد النفس الزائد للشعور بها، ولا الاستسلام لها وتضخميها واستخدامها لملء فراغات عاطفية سابقة سيساعدان في التعامل معها.
إذا شعرت بذلك اسأل نفسك هذه الأسئلة:
الأصل هو التعاملُ مع هذه المسألة وفق حجمها تماما، فهل يستحق فلان الإعجاب لوجود هذه الخصلة فيه؟ نعم يستحق، هل من المتوقع إذا أن أعجب فيه بما إنني إنسان طبيعي؟ نعم متوقع، هل يعني هذا أنني أخون شريكي، أو أن شريكي في نظري لم يعد يستحق الحب والإعجاب؟ كلا على الإطلاق، هل يعني هذا أن فلان الذي رأيت منه هذه الخصال الجميلة هو جميل بكليته؟ حقيقة لا أعرف ولا يهمني أن أعرف، وغالب الظن أن الجواب سيكون لا. ماذا علي إذن أن أفعل تجاه هذه المشاعر؟ أولا أتقبلها، وثانيا لا أعطيها الفرصة للتضخم، لا بالخوف منها، ولا بفتح أبواب التواصل غير الضروري، ولا بالاسترسال بالتفكير والخيالات، ولا بالتصريح بالإعجاب، بل أدفع هذه المشاعر بغض البصر والتزام آداب التواصل، وأبقى متيقظا لحقيقة أن هذا الذي أعجبتني فيه الخصلة الفلانية قد أبغض فيه الكثير مما لا أعرفه عنه! أما أكثر ما يجب تجنبه هو الوقوع في فخ المقارنة مع الشريك، فهي مقارنة غير عادلة. ومن تكشفت لك مع محاسنه عيوبُه أيضا، لا يجب أن تقارنه مع من لا يُظهر لك إلا أفضل ما لديه.
أوكُلَّما اشتهيتِ اشتريت؟
أخيرا، نعم نحن نقر بوجود الكثير من الأشخاص الجذابين في حياتنا، لكن علينا أن نتذكر أنه ليس كل قطعة ثياب تعجبنا على واجهات المحلات يجب أن نرتديها، وليس كل قطعة كعك حلوة نشتهيها يجب أن نتذوقها، وليس كل منزل يعجبنا أثاثه يجب أن نقطن فيه، وبهذا يذكرنا عتابُ سيدنا عمر لنفسه بقوله "أوكلما اشتهيتِ اشتريت؟" لا ينطبق ذلك على شهوة الشراء فقط، بل يصلح أن ينسحب على كل جوانب حياتنا. فلندع الأشياء الجميلة تمر دون أن تترك فينا الحسرة لعدم امتلاكها، ولندع الأشخاص الجذابين يمرون دون أن يجعلونا نخسر السلام النفسي والهناءة التي نعيشها مع الشريك! ومن عرف الحياة و خبر فنون غوايتها يعلم أن أي افتتان بأي شخص هو أمر عابر ومرتبط بالوقت، وأن المشاعر التي نكنها لأي شخص لا تتعلق بهذا الشخص نفسه بقدر ما تتعلق بنا، وبضعف مناعتنا العاطفية، وأنه لو قدر وتحقق لنا فعلا الاقتراب الكافي من هذا الشخص، لانهار هذا الافتتان مع الوقت لما سيبديه الاقتراب من هذا الشخص من عيوب كانت خافية علينا، ولما سيفعله الزمن بمفاتنه فيهدمها بمعول التعود والملل. الإعجاب بشخص آخر بعد الزواج هو ليس ذنبا لا يغتفر، بل هو أمر وارد الحدوث دوما، ويجب الوعي به لمعرفة التعامل معه، أما الاستجابة لهذا الإعجاب فهي محل التكليف والاختبار، والذي يساعدنا في تجاوزه بنجاح وجودُ دستور رباني في حياتي يعلمنا ما هو الحلال وما هو الحرام، ويحثنا على تزكية أنفسنا ومجاهدة أهوائنا. فلنسمِّ الأشياء إذن بمسمياتها، ولنتحلَّ بالشجاعة والوعي في تقبل بشريتنا ومواجهة أنفسنا وكبح جماح أهوائنا.