في يوم الفالنتاين... أهدِ محبوبك دبدوبا أخضر!

 

21 نوفمبر 2022

 

يُقرأ في 6 دقائق

fy-ywm-alfalntayn-ahd-mhbwbk-dbdwba-akhdr

  ©   pexels.com/@pixabay

حين وردت لفظة الحب في القرآن الكريم في سورة يوسف فإنها وردت في سياق مصائب وانحرافات أخلاقية خطيرة، كالخيانة الزوجية والإغواء والانسياق وراء الشهوات، ثم الظلم والافتراء والكيد بالأبرياء. للأسف لا يتناسب هذا السياق مع سياقات غالب الإنتاجات التلفزيونية والسينمائية والغنائية، بل وحتى الأدبية، والتي صورت الحب كحالة إيجابية دوما، مرتبطة بالتضحية وكرم الأخلاق والسمو الروحي، فقدمت بذلك جانبا واحدا فقط من جوانب الحب للشباب العربي والمسلم، وأهلمت تجلياته السلبية الأخرى.

هل كل حب هو حب فعلا؟

نعم، للأسف ما من مفهوم إنساني تعرض للتشويه والتحريف والاجتزاء والخلط أكثر من مفهوم الحب، وإن أكثر المغالطات غيابا عن معظم الناس هو الخلط بين درجات الحب وإذابتها كلها في بوتقة مفهوم فضفاض واسع كلفظة "الحب"، على الرغم من وجود الكثير من الحالات الشعورية الأخرى كالألفة والاستحسان والصبوة والمودة والكلف والوجد وغيرها. فمن غير العدل إطلاق لفظة الحب على الهوى العابر المتقلب الآني التأثير، وإطلاقها أيضا وفي ذات الوقت على الهيام المتجذر الطاغي المستديم عميق التأثير، والفرق بينهما كالفرق بين الثرى والثريا!

لا تحبني كما تحب السمك

ولم يتوقف التشويه على الخلط بين درجات الحب، بل أيضا على إدخال رذائل حقيقية تحت هذا المفهوم، يعتقد من يرتكبها أنها مبرَّرة مطهَّرة لأنها تحمل خاتم الحب المقدس، وتمارَس مع المحبوب باسم هذا الحب. ولعل أسوأ هذه الرذائل هي خصلة الأنانية، والتي تم إلباسها لباس الحب وصار ينظر إليها على أنها أحد تجلياته. فعندما يحب المرء نفسه، وسعادته التي يحققها وجود شخص ما بعينه معه، وما يقدمه هذا الشخص من أسباب الراحة والمتعة، يعتبر الكثيرون حبَّ النفس هذا على أنه حبٌ للشخص المنتفَع به، وبالتالي يسمح المنتفِع لنفسه بممارسة الكثير من الابتزاز العاطفي والاستغلال والغيرة العمياء باسم الحب. قال أحد الحكماء: "إذا كنت تجد المتعة في أكل السمك فلا تقل أنك تحب السمك، فمن يحب شيئا لا يخنقه ثم يبقر بطنه ويفرغ أحشاءه ويقوم بشويه ثم أكله! بل قل إنك تحب نفسك!" وللأسف الكثير من العلاقات الزوجية الآن تقوم على مبدأ (أنا أحب السمك(، وتصل إلى حد كراهية سعادة الشريك إذا عاشها بمعزل عن شريكه الآخر.

الوجه القبيح للحب

المتعاطون مع مفهوم الحب والحالمون به يكتفون بتمجيده والتغني بجوانبه المشرقة، ويتغافلون عن الجوانب السلبية المدمرة لهذه الحالة الإنسانية. فكما يمكن أن يكون الحب من أقوى دوافع الحياة والإنتاج والعطاء، فقد يكون في الوقت نفسه من أشرس الدوافع للغرق في الكآبة العميقة، والتي تصل في بعض الحالات إلى الانتحار، أو أن يكون سببا في اعتكاف الحياة الاجتماعية والإنتاج، ويؤدي بالتالي إلى تعطيل المستقبل الشخصي والمهني للإنسان، أو أن يكون سببا للغيرة الشديدة، التي تؤدي في بعض الأحيان لإيذاء الآخرين، أوقد يكون منبعا خصبا لمشاعر الغضب والنقمة، والتي قد تؤدي إلى ردات فعل مؤذية وظالمة. لقد أثبتت الدراسات أيضا تعطل بعض الدوائر المخية المسؤولة عن التفكير المنطقي وتقييم السلوك عند الوقوع في الحب، مما قد يتسبب في التعلق بالشخص الخطأ، والتعامي عن عيوبه، وعدم الاستجابة لنصائح الغير، وبالتالي اتخاذ قرارات غير سليمة قد تكون مدمرة للمرء مستقبلا.

ما هي خطيئة الأدب؟

إن تحريف مفهوم الحب جاء في سياق الأعمال الفنية لأهداف ربحية غالبا،تضرب على وتر الجوع العاطفي لدى المشاهد، أما الإنتاجات الأدبية فقد حرفت مفهوم الحب بالمجان. وبكل حسن نية يقوم الأدباء بالغو الشاعرية بتقديم توصيف غير واقعي لحالة الحب ولمواصفات الحبيب ضمن إنتاجاتهم، مستعينين بما وُهِبوه من ملكات أدبية تجعل هذه الانحرافات في التوصيف أمرا بالغ الإقناع والجاذبية للقراء، وهكذا تتعلق الأجيال بمفهوم لاواقعي للحب، وترسم تصورات بعيدة تماما عن الحقيقة للعلاقة الزوجية القائمة على الحب، مما يجعلهم يعيشون لاحقا سلسلة من الخيبات والانتكاسات النفسية، وربما حتى الكوارث الأسرية، والتي يكون سيدها وعرابها الأهم هو الأدب ورواده، فالشاعرية الحقيقية ليست إلا عبارة عن ومضات خاطفة في العلاقة بين الحبيبين لا يمكن تحويلها إلى حالة مستديمة كما يصورها الأدب. لقد نتج عن تقديس الحب في الانتاجات الأدبية والفنية سحب هذه القداسة المزعومة على كل حالات الحب، سواء كانت أخلاقية أم لا. فالحب بحد ذاته شعور لا يدخل في دائرة الخطأ والصواب، ولكن الاستجابة له قد تحوله إلى فعل لا أخلاقي حين يدفع هذا الشعور الإنسان إلى ارتكاب انحرافات سلوكية، كممارسته خارج منظومة الزواج مثلا، أو تبرير الخيانات الزوجية باسمه وتحت ستار من سموه المزعوم، لذا يجب نفي القداسة عن الحب تماما حتى لا يقع المرء في إرباك فكري يبرر له الرذيلة أو يجعله يستسهل الوقوع فيها.

الحب والكوكائين وجهان لعملة واحدة!

يكون الاستعداد لدى الإنسان للوقوع في الهيام كبيرا جدا في مرحلة المراهقة، ويكون المسؤول عن ذلك هو حالة الفوضى الهرمونية المصاحبة للبلوغ، بالإضافة إلى الظروف المصاحبة للمراهقة، كزيادة تحديات الدراسة، وضغوطات إثبات الذات، وانحدار الثقة بالنفس لمستوياتها الدنيا، يترافق مع ذلك اكتئاب ناتج عن نقص إفراز هرمونات السعادة. تكون مناعة الشاب أو الشابة العاطفية في هذه المرحلة في أضعف حالاتها، ويكون دماغهما بحاجة ماسة إلى جرعة دوبامين قوية، تدعم الثقة وتولد إحساسا عاليا بالسعادة. تتصادف هذه الحاجة مع لقاء الشاب أو الشابة لحبهما الأول، وتتحكم الصدفة غالبا بتحديد الحبيب، الذي يكفي له أن يحمل بعض المواصفات التي تم تخزينها في الوعي واللاوعي على أنها مقاييس جمالية عالية، أو ملامح مريحة مرتبطة بذكريات لطيفة، أو ربما مجرد شخص قدم بعض الدعم النفسي والحنان في وقت تتدنى فيه ثقة المرء بنفسه إلى أدنى درجاتها. هذا اللقاء الأول يحدث إفرازا انفجاريا لهرمونات السعادة في الدماغ تتسبب بفرح بالغ وشعور علوي لا يمكن وصف روعته، في عملية مشابهة للعملية التي يحدثها استنشاق جرعة من الكوكائين، يتلو ذلك حدوث ارتباط في دماغ الإنسان بين وجه الحبيب كمحفز وبين إنتاج هرمون السعادة، الذي لا يتحقق إفرازه بهذا المستوى لاحقا إلا بلقاء الحبيب. بتعريف آخر يصاب الإنسان بالإدمان على الحبيب، والذي يشبه حرفيا الإدمان على الكوكائين! وحين نفهم آلية الحب الكيميائية في الدماغ يصبح من السهل علينا التخلص مثلا من حب ميؤوس منه بنفس التكنيك الذي يستخدمه المدمن على الكوكائين للتخلص من إدمانه، واعين بحتمية مرورنا بنفس أعراض الانسحاب التي يعانيها المدمنون. الألم النفسي والقلق والكآبة وقلة النوم والعزوف عن الطعام والتوتر والشعور بالحاجة الملحة للتواصل مع الحبيب ستكون أعراضا متوقعة للانسحاب من أي علاقة حب قوية، ولن تحتاج إلا إلى بعض الوقت وشيء من الصبر حتى يتعافى المحب منها تماما. وقد يقع الراشدون أيضا وحتى المتزوجون منهم في الحب عندما يكونون تحت تأثير ظروف مشابهة لظروف المراهقة. إن شح إفراز هرمونات السعادة لدى البالغ والناتج عن السأم الزوجي أو فقدان الثقة بالنفس أو الفشل في العمل يؤدي إلى ضعف المناعة العاطفية لدى المرء، واحتياجه إلى محفز قوي جديد لإفراز هذه الهرمونات، الأمر الذي لا يمكن تكراره للأسف مع الشريك.

الحب الحقيقي لونه أزرق فاتح أو أخضر

إن أجمل درجات الحب وأكثرها توازنا على الإطلاق هي التي وردت في الوصف القرآني للعلاقة الزوجية، المودة والرحمة، فالمودة والرحمة هما محبة خالصة مطهرة من أدران الأنانية والغيرة، ومتجلية في تعامل إنساني رحيم وراق. المودة والرحمة هما محطتا الحب الأخيرتين اللتين تليان الحب الجارف، فتساهمان في إنجاح الزواج، بعيدا عن التأثير الجامح لشعور الحب العنيف على العقل والجسد والسلوك. هما الجذوة الخفية المشتعلة في روح المرء، والتي تطفئ حاجاته الى الجنس الآخر، وتساعده على بلوغ أعلى درجات العطاء الانساني بدون تشتيت او تشويش. المودة والرحمة هما الحب الحقيقي الذي لا يُحتفل به في الفالنتاين، لأن لونه ليس أحمرا فاقعا بلون فورة المشاعر الجامحة، بل لو كان للحب الحقيقي لون لكان لونه أخضرا أو أزرقا فاتحا يوحي بالسكينة والاطمئنان، ولو كان المتحابون يحتفلون في الفالنتاين بالحب الحقيقي فعلا، لتهادوا دباديب زرقاء فاتحة أو خضراء اللون، ولكن الحب الحقيقي لا يحتفل به في يوم واحد في السنة، وإنما يعيش المتحابون تفاصيله في كل يوم، ودون الحاجة إلى دباديب ملونة!